السبت، 31 مايو 2014

عني (14)




أشعر الآن أنني أولد من جديد وكأنني في مرحلة الميلاد.

فأنا أتعرف على نفسي من جديد، وأعيد التفكير في كل معتقداتي وأفكاري وطرق مواجهتي للمواقف المختلفة ورؤيتي للأمور.
حتى أنني - على غير العادة- تنازلت بكل بساطة عن استخدامي لأشيائي القديمة وبدلتها بشراء أشياء جديدة، أصبحت أحب نفسي أكثر، وأدللها وأهتم بطلباتها مهما بدت سطحية وتافهة، لم أعد أضغط نفسياً عليها للانتهاء من فعل معين مثلا، بل اتركها إلى أن تأتي رغبتها وحدها دون تدخل مني.

- أصبحت انظر لذنوبي التي امتنعت عنها بعد التزامي، لأجدها لم تكن بحجم آثامي التي ارتكبتها في لحظة غفلة مني بعدها.

- أصبح لي هدف دنيوي أخيراً أسعى جاهدة للوصل إليه.

- لم تعد الدنيا هينة في عيني فقط بل أصبحت مجرد رحلة أحاول الاستمتاع بها بدلاً من الزهد فيها.

عن آخرعشر سنين في حياتي هي المدة التي بدأت فيها من التقرب إلى الله، والتي كنت أفهم الأمور بطريقة معقدة؛ فقد كنت أحرم على نفسي كل شيء..كل شيء بمعنى الكلمة وكأنني راهبة في صومعة عبادة لا تفعل شيء سوى الذكر والتقرب إلى المولى..

- الأغرب أنني كنت أطلب من الجميع أن يفعلوا ما أفعل، وألومهم على أي تقصير ناسية تماماً أن هناك فرق بين من يتعرض لمثيرات ويجاهد للتغلب عليها وبين من لا يتعرض لأي شيء لأنه في منأى عن هذا-.

- نسيت أنني مازلت أعيش في الدنيا، وأن عليَّ أن أتعلم كيف أحيا فيها بأخلاق الإسلام، وبطريقة ترضيني.. لم أشعر طوال المدة السابقة بأنني حبيسة جدران العبادة، بالعكس كنت في أكثر مراحلي الزمنية ثباتا وهدوءاً وراحة بال رغم كل ما مر بي من ابتلاءات.


- أيقنت بأن حقيقة الإيمان ليس في العزلة والتعبد، ولكن في الاختلاط بالمجتمع ومحاولتك أن يكون لك دور إيجابي وفعال، وأن تحاول نشر دينك بأخلاقك وأفعالك،

 وأنك بهذا قد نزلت أرض المعركة وعليك أن تتسلح جيداً، وأن تكون ذخيرتك بالإيمان ممتلئة وإذا ما حدث ضعف فيها فلتشحنها سريعاً، وأن أي تكاسل أو تباطوء عن شحن رصيد إيمانك قد يسقطك فريسة لمخالب الشيطان والأمر حينها لن يستغرق سوى لحظة تفوق بعدها لتكتشف حجم الفاجعة.

- تعلمت بأن العيب لم يكن قطعاً في ديني،
 ولكن كان في كيفية تطبيقي له في بعض المواقف.

- أيقنت أن هناك فرق كبير بين الصغائر والكبائر..
وأن لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.

- أيقنت أن دورنا في الحياة أن نتعبد كبشر وليس كملائكة.
فالبشري  يخطئ ويصيب، ويطيع ويعصي وليس معصوماً، ولكنه يدرك أن باب التوبة مفتوح وأن الله يقبل التوابين ويفرح بتوبتهم وليست المشكلة بتاتاً في ألا تعصي، المشكلة الحقيقية في ألا تعود وتستغفر وتتوب.

- أيقنت بكوني بشرية لا تعلم متى ستوافيها المنية.

- أيقنت بكوني مازلت على قيد الحياة، وأتمتع بشبابي الذي يحسدني عليه المسنين، وعليَّ أن أفعل شيء مادي به ينفعني وينفع من حولي ويترك ذكرى تشفع لي عند ربي وخلقه.

الأحرى أن أسميها مرحلة النضج.






هناك تعليق واحد:

  1. كلنا مررنا بتلك المراحل التي تحدثت عنها ،، عندما نخرج من الصورة نرى أنفسنا بشكل أوضح وأعمق .

    دام قلمك نابضًا بكل ما هو جميل .

    ردحذف