الأحد، 29 سبتمبر 2013

عن أول يوم في الجامعة



كان من أسوأ الأيام في عمري ففيه نزلت لأرض الواقع لأول مرة.
فنعم أنا فتاة مدللة تربت في قصر عاجي ليس لها علاقة بما يحدث في العالم الخارجي.. أعيش في عالمي المثالي البريء.. ما أريده من طلبات يتحقق لي دون عناء.. أتحرك بسيارة أبي الخاصة في أي مشوار ..لا أسير في الشوارع وبالمقابل نادراً إذا ما عرفت اسم أي شارع أمر به - فهذا لا يعنيني-. حتى وجود الأموال معي لم يكن يوماً يشغلني فما أريده يكون عندي .. وما أختاره يتم شراءه دون حتى أن أعرف ثمنه ولو من باب الفضول.
أول يوم جامعة قام أبي بتوصيلي أنا وابنة صديقه التي كانت تكبرني بعام ولكنها كانت "شايلة" مادة من العام السابق والتي للحظ كانت أولى محاضراتي؛ فلهذا كانت دليلي يومها.
انصرف أبي وهو مطمئن بأن ابنه صديقه التي ستصبح صديقتي فيما بعد ستكون مسئولة عني وسنروح سوياً.
حضرت أول محاضرة وكأني انتقلت من المدرسة الثانوية لمدرسة أكبر قليلاً فقسمي "رياض أطفال" بنات فقط ولهذا لم أشعر بأن هناك شيء متغير عن دراستي الثانوية فالاختلاط في حياتي لم أعرفه في مراحل دراستي المختلفة.
بالإضافة  لأني وجدت زميلات لي من ثانوي وإعدادي معي في هذا القسم- بعد أن دخل صديقاتي جميعاً كلية الآداب وتركوني وحيدة في "تربية" أو الأدق أني من تركتهم فمجموعهم لم يسعفهم للدخول معي وأنا "كُليتي" كانت الرغبة الثانية في التنسيق فلماذا أتنازل عنها!.

ابنة صديقة أبي بعد المحاضرة ذهبت لصديقاتها لتبدأ عامها الدراسي الثاني معهم،  وأنا  صرت وحيدة انتظر بقية المحاضرات، والتي اتلغت جميعها تقريباً على حد تذكري وهذا يعني بأن لا سبب الآن لوجودي في الجامعة وعليَّ الذهاب للمنزل ،ولكن كيف هذا وأنا لأول مرة أكون في الشارع وحدي .. لا أعرف الطريق.. لا أعرف أي وسائل المواصلات المتاحة ولا مكان وقوفها ولا أي شيء .. كأنني طفلة ضلت الطريق بالمعنى الحرفي للكلمة.
رأيت زميلاتي في ثانوي وأخبرتهم بأن المحاضرات اتلغت وسألتهم " لو هيرحوا نروح سوا" أخبروني برغبتهم في المكوث للاستطلاع فهذا أول يوم جامعي وأننا لم نعد في المدرسة لنتقيد بموعد ثابت للذهاب للمنزل.
لم يكن لدي رغبة في المكوث مثلهم فهذا المكان بالنسبة لي هو مكان لتلقي العلم ليس إلا.. إذن سأذهب وحدي.
خرجت من بوابة الجامعة لا أدري ماذا أفعل..
وبعد حيرة قررت الاتصال بشقيقي ليأتي ليصطحبني .. اتصلت على تليفون المنزل بكارت ميناتل فهو اليوم لم يذهب كُليته.. كان وقتها لسه صاحي من النوم ..طمأنني بأن أظل مكاني وهو سيأتي لي ( لم يكن الموبايل انتشر كحال هذه الأيام).
انتظرت كثيراً فنحن في وقت الذروة وعلمت فيما بعد بأن للمواصلات مواعيد تكون غير متاحة إلا للفدائيين فقط.
وأنا ملولة بطبعي ولا أحب الانتظار كثيراً.
رأيت زميلاتي أخيراً يخرجن من الجامعة عازمين المرواح.. قررت الذهاب معهم
اتصلت أولاً بشقيقي لأخبره بهذا.. أجابت أمي بأنه "لسه نازل حالاً".
غضبت من نفسي وهممت أن أنتظره بالفعل ولكن الحر كان أقوى من احتمالي مع طرحتي السوداء يومها التي كنت أرتديها لأول مرة فقد كنت حديثة العهد بالحجاب .
سلمت نفسي لهم فهم أدرى على حد قولهم بالمواصلات.
وأنا رغم  كوني "بنت عز" إلا أني لا أُشعِر أحد بذلك فلست متكبرة بما لدي بل دائما أحاول النزول لمستوى من أتعامل معه .. عرضت عليهم ركوب تاكسي رفضن واقترحن بأننا سنركب مواصلات عامة.. لا بأس المهم أن أذهب للمنزل بأي طريقة.. سرنا مسافة طويلة جداً ( من بوابة الجلاء لمديرية الأمن) وكل الأتوبيسات مزدحمة ولا تكفي عددنا وكنا تقريباً في تمام الساعة الثانية ظهراً.
إلى أن وصل أخيرا أتوبيس مزدحماً كان ولكن الكمسري أخبرنا" بأن الناس نازلة" .. وطبعاً طلع كذاب ومحدش نزل وفضلنا محشورين وواقفين بطريقة مايعلمش بيها إلا ربنا لغاية ما وصلنا..
طبعاً بالنسبة لي يعتبر أني أخدتها من الكلية لبيتنا مشي في عز الحر.
توقعت أن زميلاتي سيصيرن بحكم الرفقة على مدار أعوام الدراسة صديقات- وهذا لم يحدث فالطباع والبيئة مختلفة في كل شيء-.
ذهبت للمنزل غاضبة من نفسي لأني لم أنتظر أخي وجعلته يذهب ويأتي دون جدوى ولم أضع قطرة ماء في جوفي رغم ظمأي حتى يعود فقد كنت أشعر بالذنب تجاهه بعدما جربت معنى بهدلة المواصلات في عز الحر.
كنت عازمة على التحويل من الكلية بعدما لم أجد صديقات مرحلتي الثانوية وأنني لم أكون صديقات بعد ولم أرتاح لصُحبة أول يوم رغم معرفتي السابقة لهم.
لولا أن جاء شقيقي الأكبر مبتسماً هادئاً محباً لي كعادته.. يخبرني بأنه ليس غاضباً مني وأنه لم يتبهدل في المواصلات مثلي فهو مخضرم.. هنا فقط استطعت أن أتجرع الماء وأن أتناول معه الغداء.
أما أبي فقرر أن يقوم بإيصالي يومياً.. كان يستيقظ بدري عن موعد عمله من أجلي.
 فقد كانت كل محاضراتي تبدأ يومياً في تمام الساعة الثامنة .. 

كان يوماً بالنسبة لي لا ينسى من صعوبته على نفسي.

ومع الوقت استطعت التعامل مع المواصلات وعرفت قيمة أن يكون معي مال.

الجدير بالذكر أن أبي ظل يقوم بإيصالي على مدار سنوات دراستي جميعها إلا في مرات قليلة كانت محاضراتي  تبدأ فيها في وقت عمله.

هذا عن أول يوم لي في الجامعة .
ماذا عنكم ؟.





هناك تعليقان (2):

  1. شوفت البوست ده بالصدفة
    تصدقى كنت مفكرك غير كدة :)
    كنت شايفك من الطبقة الدنيا الكادحة اللى زي حالاتنا :)
    على العموم أنا كتبت زمان بوست شبه ده عن أول يوم فى الدراسة عموما
    http://khwatirmoslem.blogspot.com/2011/09/blog-post_29.html
    تحياتى أيتها المرفهة :)

    ردحذف
    الردود
    1. "تصدقى كنت مفكرك غير كدة :)"
      أول ما قرأت الجملة دي توقعتك تقصد أني مكنتش بحضر محاضرات مثلا! :)
      :)
      رحت قريته ولقيتك قافل الكومنتات
      أنا كنت بكره أول يوم لعدم استقراره.. بحب الجد أنا.. ندخل في الموضوع على طول مش لسه بقى لخبطة جداول وعدم تحديد الأماكن والجو ده :)
      بس بعيدا عن هذا خلاص اتخرجنا :) :)

      حذف