الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

عودة الحاسة المفقودة



فقدت حاسة الشم فترة ليست بالقليلة وأكثر ما كنت أفتقده رائحة المطر.. مازلت أذكر يوم أمطرت بشدة وخرجت كعادتي للشرفة سريعاً لاستقبلها ولحقت بي زميلات العمل ظنا منهم بأن هناك شيء مهم يدعو لهرولتي للشرفة بهذا الشكل وخاصة في وجود ضيوف للعمل  يتطلب مني المحافظة على المظهر الرسمي طول الوقت.
مددت يدي خارج السور ورفعت وجهي لاستقبال زخات المطر وقتها كانت كرات ثلجية صغيرة..  استنشقت بعمق علني أشم رائحة المطر الزكية وللأسف لم تفلح محاولتي فسألتهم "أنتوا شامين حاجة" على أمل إخباري بأن المطر ليس له رائحة  وكانت الإجابة  "آه شامين".
ابتسمت لحظتها بحسرة فكم افتقدت رائحته وكم تمنيت أن تعبئ في قنينة لتصبح عطري المفضل.

أيام فقدان حاستي كان هناك اجتماع في مكان ما ومن الواضح أن له رائحة مقززة فقالت زميلتي بتأفف هل تشمين؟ فأخبرتها ساخرة "ما أنتي عارفة أن الأوبشن ده وقع مني".
فكان ردها "يا بختك".
وحينما عادت إلي حاستي المفقودة انتظرت أن أشم أزكى الروائح وأطيبها.
ولا أقبل مطلقاً بأن أشم روائح كريهه.
ووقتها أعقد مقارنة سريعة بأن فقدان حاستي كان أهون من أن أشم بالإجبار روائح نتنة.

ووقتها أيضاً تذكرت المشهد الأخير من فيلم "صباحو كذب" لأحمد آدم.
حينما عاد إليه بصره ليكتشف كم حقارة من حوله.
وحينما فقد بصره مرة أخرى أصبح سعيدا بعد أن ردد كثيراً"ياريتني ما فتحت".
لم أفهم لحظتها لمَ تمني العمى مجدداً!.. لم أعلم بأن فداحة ما رأى جعله يتمناه كي يرسم في مخيلته ماشاء.
فما سعادة الأعمى حين يبصر على قبح!.

أحياناً يكون فقدان إحدى الحواس نعمة.
ولكن لأن الإنسان لايعلم الغيب فهو يريد معرفة الحقيقة الكاملة طول الوقت حتى إن كان فيها هلاكه.
رغبة الفرد في فقدان حاسته الجديدة مرة أخرى لهو نظرة قاصرة ورغبة في الراحة  من عناء الواقع الأليم.

فكم من أناس دخلوا حياتنا فاحترمناهم وأحببناهم ورسمنا لهم صورة رائعة وبعد الاقتراب منهم بشدة والدخول في محيطهم الواقعي  ورأيناهم عرايا كان جسدهم ممسوخ.. وكم كانت صدمتنا وكم تمنينا أن يعود الوقت حتى لانقترب فيظلوا في أعيننا دوما كما تعودناهم
ولكن الحقيقة القاسية أفضل بكثير من الوهم  الخادع.




هناك تعليقان (2):

  1. فما سعادة الأعمى حين يبصر على قبح!
    .
    ولكن الحقيقة القاسية أفضل من الوهم الخادع.
    ..
    ربما إبصار الأعمى على قبح هو إدراك للحقيقة القاسية، وكل هذا إن لم يجلب لنا السعادة وأتى بالمرار والحزن فهو على الأقل قد أنقذنا من حضيض الجهل والسذاجة.
    ..
    رائع ما كتبتي يا منى.

    ردحذف
  2. فعلا فالشعور بالسذاجة جد مؤلم

    أشكرك جداً لتعليقك أستاذ أحمد

    ردحذف