كنت في مُهمة تابعة لعملي
خارج مدينتي ؛ وحين حان وقت عودتي، ذهبت إلى موقف السيارات العمومية فوجدت كمّا
هائلا من البشر. كان الكل ينتظر قدوم السيارات، وإذا أتت إحداها، أتت على استحياء
كل نصف ساعة تقريباً؛ ولأنها لا تأخذ أكثر من سبعة ركاب، لا تشعر بأن عدد
المنتظرين قلّ، بل كانوا في تزايد وتوافد على غير العادة.. لم أكن أعلم أن مظاهرة
خرجت يومها تنادي بشيء ما لا أذكره الآن- كان هذا في الفترة الانتقالية قبل تولي
"مُرسي " الحُكم-، مما جعل الطرق يتم غلقها ومما جعل الشرطة تتعامل مع
المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع. مرت المظاهرة من أمامي ورأيت أعلام مصر ..كان
الوقت قبل المغرب وانتظرت كثيراً لما بعد آذان العِشاء ..كنا في الشتاء ولكن الجو
كان معتدلاً ..
كان الوقت قد بدأ يتأخر ومازلت الوفود تتكاثر والسيارت لاتأتي وإذا أتت يزدحم عليها هذا الجمع فأَبتعد، فأنا لا أطيق التزاحم ليس لأنه منظر غير حضاري فقط ولكن لأنني لا أستطيع التصرف في تلك المواقف، بالإضافة لفرصة وجود تلامس بيني وبين أي شخص وهذا ما لن أتحمله حتى وإن اضطررت للانتظار لساعات.. ولكن مع مرور الوقت، أصبح ظهري يستغيث طالباً الجلوس وهذا يعني أن مقاومتي في طريقها للانهيار.
جاء ميكروباص وهذا يعني أنه سيحمل أربع عشرة راكب وليس سبعة فقط كالسيارة، إذن الفرصة الآن مُتاحة للركوب، عليَّ فقط أن أذهب مُسرعة إليه. ولكن الكثيرين قد سبقوني ووقف آخرون على الباب فانسحبت كالعادة.. ووقفت متكئة على سيارة علَّ الفرج يأتي..
سمعته يقول " أنا هركبك معايا".
نظرت تجاه الصوت فوجدته شاباً طويلاً أسمر البشرة يقولها لي في ابتسام.. لم أعلّق مع نظرة بلهاء تشي بأنني "مش فايقة لك".
جاء ميكروباص آخر ولحسن الحظ وقف أمامي، يالفرحتى أخيراً فُرجت ولكن كما يحدث دائماً، تنشق الأرض في ثانية عن أناس يلتفون حول الباب وأجد نفسي أتراجع مفسحة لهم الطريق.
وجدته يقول لي" مش قلت لك هركبك معايا.. تعالي".
اكتشفت أنه سائق سيارة أجرة أوقفها حين رأى المظاهرات وامتنع عن الحركة خوفاً عليها.
تنفست الصعداء حينها وهممت بالركوب في المقعد الخلفي، فهذا مكاني المفضل في سيارات الأجرة . وجدته يخبرني "أركبي في النص محدش هيركب".
ركبت في الكرسي الخلفي من الجهة الأخرى و ركب شابّ بجواره.
كانت هناك فتيات تحاولن فتح الباب للركوب لكن السائق الشاب أخبرهم أنه لن يأخذ أحدا وانطلق بالسيارة.
وقبل خروجنا بقليل، بدأ الغاز المسيل للدموع يتنشر فإذا بالسائق يأخذ "مناديل ورقية" من العلبة أمامه ويعطيها لي قائلاً" ضعيها على أنفك حتى نخرج سالمين".
أخذتها منه وأنا متعجبة تماماً من طريقة تصرفه معي.
خلال هذا الوقت، هاتفي الجوال لم يتوقف عن الرنين ، الكل يريد الاطمئنان، تارة من البيت وطورا من العمل.
وبعد انتهاء المكالمات وجدته يقول " هل تعلمين لماذا اخترت إيصالك دون البقية؟"
قلت" أنا فعلا في انتظارمعرفة السبب".
قال" لأني رأيتك منذ وصولك إلى الموقف ولفت نظري أنك مختلفة في أسلوبك وظللت أراقبك وأيقنت أنك لو انتظرت في هذا الوضع المزدحم مع طبيعتك الهادئة، ما استطعتِ أن تجدي مواصلة ولو انتظرتِ للعام القادم"
كان الوقت قد بدأ يتأخر ومازلت الوفود تتكاثر والسيارت لاتأتي وإذا أتت يزدحم عليها هذا الجمع فأَبتعد، فأنا لا أطيق التزاحم ليس لأنه منظر غير حضاري فقط ولكن لأنني لا أستطيع التصرف في تلك المواقف، بالإضافة لفرصة وجود تلامس بيني وبين أي شخص وهذا ما لن أتحمله حتى وإن اضطررت للانتظار لساعات.. ولكن مع مرور الوقت، أصبح ظهري يستغيث طالباً الجلوس وهذا يعني أن مقاومتي في طريقها للانهيار.
جاء ميكروباص وهذا يعني أنه سيحمل أربع عشرة راكب وليس سبعة فقط كالسيارة، إذن الفرصة الآن مُتاحة للركوب، عليَّ فقط أن أذهب مُسرعة إليه. ولكن الكثيرين قد سبقوني ووقف آخرون على الباب فانسحبت كالعادة.. ووقفت متكئة على سيارة علَّ الفرج يأتي..
سمعته يقول " أنا هركبك معايا".
نظرت تجاه الصوت فوجدته شاباً طويلاً أسمر البشرة يقولها لي في ابتسام.. لم أعلّق مع نظرة بلهاء تشي بأنني "مش فايقة لك".
جاء ميكروباص آخر ولحسن الحظ وقف أمامي، يالفرحتى أخيراً فُرجت ولكن كما يحدث دائماً، تنشق الأرض في ثانية عن أناس يلتفون حول الباب وأجد نفسي أتراجع مفسحة لهم الطريق.
وجدته يقول لي" مش قلت لك هركبك معايا.. تعالي".
اكتشفت أنه سائق سيارة أجرة أوقفها حين رأى المظاهرات وامتنع عن الحركة خوفاً عليها.
تنفست الصعداء حينها وهممت بالركوب في المقعد الخلفي، فهذا مكاني المفضل في سيارات الأجرة . وجدته يخبرني "أركبي في النص محدش هيركب".
ركبت في الكرسي الخلفي من الجهة الأخرى و ركب شابّ بجواره.
كانت هناك فتيات تحاولن فتح الباب للركوب لكن السائق الشاب أخبرهم أنه لن يأخذ أحدا وانطلق بالسيارة.
وقبل خروجنا بقليل، بدأ الغاز المسيل للدموع يتنشر فإذا بالسائق يأخذ "مناديل ورقية" من العلبة أمامه ويعطيها لي قائلاً" ضعيها على أنفك حتى نخرج سالمين".
أخذتها منه وأنا متعجبة تماماً من طريقة تصرفه معي.
خلال هذا الوقت، هاتفي الجوال لم يتوقف عن الرنين ، الكل يريد الاطمئنان، تارة من البيت وطورا من العمل.
وبعد انتهاء المكالمات وجدته يقول " هل تعلمين لماذا اخترت إيصالك دون البقية؟"
قلت" أنا فعلا في انتظارمعرفة السبب".
قال" لأني رأيتك منذ وصولك إلى الموقف ولفت نظري أنك مختلفة في أسلوبك وظللت أراقبك وأيقنت أنك لو انتظرت في هذا الوضع المزدحم مع طبيعتك الهادئة، ما استطعتِ أن تجدي مواصلة ولو انتظرتِ للعام القادم"
قلت:" وماذا عن الفتيات
الأخريات اللاتي كن يردن الركوب وأنت رفضت ؟"
قال" هن سيُجِدن التصرف.. ألم تري إحداهن وهي تفتح الباب عنوة والأخري تصرخ في وجهي أن لماذا لا تأخذنا معك، والثالثة همت بالفعل أن تسب وتلعن لولا أن حركت السيارة؟، وقد كنت أخذت قراري بأنني لن أحمل ركابا منذ بدأت المظاهرات".
كان الشاب بجواره صامتا وكأن السائق سمح له بالركوب إكراماً لوجودي حتى لا أكون معه في السيارة بمفردي.
لم يتفوه بشيء بعدها، لم يشغل الكاسيت، لم ينظر لي في المرآة الخلفية.
وبعد وصولي أرض مدينتي مددت يدي إليه بضعف الأجرة وأكثر فلولاه لظللت عالقة في الموقف.
لم ينظر تجاهي ولا ليدي الممتدة له وقال:" حمدالله على السلامة".
قلت:" الله يسلمك..اتفضل".
قال:" أنا ماحملتش علشان آخد أجرة " وفتح الباب وخرج من السيارة وتركني وحيدة وكأنه ينهي الموقف بخروجه من السيارة.
فتحت الباب ونزلت وراءه قائلة:" اتفضل أجرتك وأنا بشكرك جداً".
لم يأخذها مني، فوضعت الأجرة بجانب مقود السيارة وشكرته مجددا.
قال لي معاتبا:"أنتي كده بتشتميني.. وأنا ماعملتش حاجة دي حاجة بسيطة".
وأنا مستمرة في شكره وامتناني له، نظر وقتها فوجد الأجرة أكثر من الضعف
فقال" طيب استني أجيب الباقي".
شكرته وانصرفت .
لن أستطيع وصف سعادتي يومها فأخيراً قابلت رجلا شهما .
رجل تجعلك مهنته، لأول وهلة، تأخذ عنها انطباعا سيئا و تجعلك تظنّ أن أصحابها عديمي الأخلاق.
كان ممكن جدا يطلب مش بس الأجرة لأ، ده ثمن الركاب كلهم كعادة السائقين في هذه المواقف واستغلال الركاب في الزحمة وطلب ضعف الأجرة أو تحميل عدد زائد.
يوجد سائقون ينتظرون بالساعات أن يأتي فرد ناقص ليكتمل العدد ومهما أخبره أي راكب بأنه على عجلة لا يهتم ولا يتحرك إلا إذا دفع هذا المتعجل أجرة مضاعفة.
أيها السائق الطويل الأسمر ذو النظارة الطبية لك خالص شكري وامتناني.
قال" هن سيُجِدن التصرف.. ألم تري إحداهن وهي تفتح الباب عنوة والأخري تصرخ في وجهي أن لماذا لا تأخذنا معك، والثالثة همت بالفعل أن تسب وتلعن لولا أن حركت السيارة؟، وقد كنت أخذت قراري بأنني لن أحمل ركابا منذ بدأت المظاهرات".
كان الشاب بجواره صامتا وكأن السائق سمح له بالركوب إكراماً لوجودي حتى لا أكون معه في السيارة بمفردي.
لم يتفوه بشيء بعدها، لم يشغل الكاسيت، لم ينظر لي في المرآة الخلفية.
وبعد وصولي أرض مدينتي مددت يدي إليه بضعف الأجرة وأكثر فلولاه لظللت عالقة في الموقف.
لم ينظر تجاهي ولا ليدي الممتدة له وقال:" حمدالله على السلامة".
قلت:" الله يسلمك..اتفضل".
قال:" أنا ماحملتش علشان آخد أجرة " وفتح الباب وخرج من السيارة وتركني وحيدة وكأنه ينهي الموقف بخروجه من السيارة.
فتحت الباب ونزلت وراءه قائلة:" اتفضل أجرتك وأنا بشكرك جداً".
لم يأخذها مني، فوضعت الأجرة بجانب مقود السيارة وشكرته مجددا.
قال لي معاتبا:"أنتي كده بتشتميني.. وأنا ماعملتش حاجة دي حاجة بسيطة".
وأنا مستمرة في شكره وامتناني له، نظر وقتها فوجد الأجرة أكثر من الضعف
فقال" طيب استني أجيب الباقي".
شكرته وانصرفت .
لن أستطيع وصف سعادتي يومها فأخيراً قابلت رجلا شهما .
رجل تجعلك مهنته، لأول وهلة، تأخذ عنها انطباعا سيئا و تجعلك تظنّ أن أصحابها عديمي الأخلاق.
كان ممكن جدا يطلب مش بس الأجرة لأ، ده ثمن الركاب كلهم كعادة السائقين في هذه المواقف واستغلال الركاب في الزحمة وطلب ضعف الأجرة أو تحميل عدد زائد.
يوجد سائقون ينتظرون بالساعات أن يأتي فرد ناقص ليكتمل العدد ومهما أخبره أي راكب بأنه على عجلة لا يهتم ولا يتحرك إلا إذا دفع هذا المتعجل أجرة مضاعفة.
أيها السائق الطويل الأسمر ذو النظارة الطبية لك خالص شكري وامتناني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق